ُ: خُذْهُ غيرَ مأسوفٍ علَيْهِ. فوضَعهُ في فيهِ. وقال: بارِك اللهُمّ فيهِ! ثمّ شمّرَ للانْثِناء. بعْدَ توفِيَةِ الثّناء. فنشأتْ لي منْ فُكاهَتِه نشوَةُ غرامٍ. سهّلَتْ عليّ ائْتِنافَ اغْتِرامٍ. فجرّدْتُ ديناراً آخَرَ وقلتُ لهُ: هلْ لكَ في أنْ تذُمّهُ. ثم تضُمّهُ? فأنشدَ مُرتَجِلاً. وشَدا عجِلاً:
تبّاً لهُ مـن خـادِعٍ مُـمـاذِقِأصْفَرَ ذي وجْهَيْنِ كالمُنـافِـقِيَبدو بوَصْفَينِ لعَـينِ الـرّامِـقِزينَةِ معْشوقٍ ولوْنِ عـاشِـقِوحُبّهُ عنـدَ ذَوي الـحَـقـائِقِيدْعو الى ارتِكابِ سُخْطِ الخالِقِ لوْلاهُ لمْ تُقْطَـعْ يَمـينُ سـارِقِولا بدَتْ مظْلِمَةٌ منْ فـاسِـقِولا اشْمأزّ باخِلٌ مـنْ طـارِقِولا شكا المَمطولُ مطلَ العائِقِولا استُعيذَ منْ حَسـودٍ راشِـقِوشرّ ما فيهِ مـنَ الـخـلائِقِأنْ ليسَ يُغْني عنْكَ في المَضايِقِإلاّ إذا فـرّ فِـرارَ الآبِــقِواهاً لمَنْ يقْذِفُهُ مـنْ حـالِـقِومَنْ إذا ناجاهُ نجْوى الوامِـقِقال لهُ قوْلَ المُحقّ الـصّـادِقِلا رأيَ في وصلِكَ لي ففارِقِفقلتُ له: ما أغزَرَ وبْلَكَ! فقال: والشّرْطُ أمْلَكُ. فنفَحتُهُ بالدّينارِ الثّاني. وقلتُ لهُ: عوّذهُما بالمَثاني. فألْقاهُ في فمِهِ. وقرَنَهُ بتوأمِهِ. وانْكفأ يحمَدُ مغْداهُ. ويمْدَحُ النّاديَ ونَداهُ. قالَ الحارِثُ بنُ همّامٍ: فناجاني قلبي بأنّهُ أبو زيدٍ. وأنّ تعارُجَهُ لِكَيدٍ. فاستَعَدْتُهُ وقلتُ له: قد عُرِفْتَ بوشْيِكَ. فاستَقِمْ في مشيِكَ. فقال: إنْ كُنتَ ابنَ هَمّامٍ. فحُيّيتَ بإكْرامٍ. وحَييتَ بينَ كِرامٍ! فقلتُ: أنا الحارثُ. فكيفَ حالُك والحوادِثُ? فقال: أتقلّبُ في الحالَينِ بُؤسٍ ورَخاءٍ. وأنقَلِبُ مع الرّيحَينِ زعْزَعٍ ورُخاءٍ. فقلتُ: كيفَ ادّعَيْتَ القَزَلَ? وما مِثلُكَ مَن هزَلَ. فاستَسَرّ بِشرُهُ الذي كانَ تجلّى. ثمّ أنشَدَ حينَ ولّى:
تعارَجْتُ لا رَغبَةً في العرَجْولكِنْ لأقْرَعَ بابَ الـفـرَجْوأُلْقيَ حبْلي على غـارِبـيوأسلُكَ مسْلَكَ مَن قد مرَجْفإنْ لامَني القومُ قلتُ اعذِروافليسَ على أعْرَجٍ من حرَجْ المقامة الدّمياطيّة
أخبَرَ الحارثُ بنُ هَمّامٍ قال: ظعَنْتُ الى دُمْياطَ. عامَ هِياطٍ ومِياطٍ. وأنا يومئِذٍ مرْموقُ الرَّخاء. موموقُ الإخاء. أسْحَبُ مَطارِفَ الثّراء. وأجْتَلي معارِفَ السّرّاء. فرافَقْتُ صَحْباً قد شَقّوا عَصا الشِّقاقِ. وارْتَضَعوا أفاوِيقَ الوِفاقِ. حتى لاحُوا كأسْنانِ المُشْطِ في الاستِواء. وكالنّفْسِ الواحِدَةِ في التِئامِ الأهْواء. وكُنّا مع ذلِك نسيرُ النّجاء. ولا نرْحَلُ إلا كُلّ هَوْجاء. وإذا نزَلْنا منزِلاً. أو وَردْنا مَنْهَلاً. اخْتلَسْنا اللُّبْثَ. ولمْ نُطِلِ المُكْثَ. فعنّ لَنا إعْمالُ الرِّكابِ. في ليلةٍ فَتيّةِ الشّبابِ. غُدافيّةِ الإهابِ. فأسرَيْنا الى أن نَضا اللّيلُ شَبابَهُ. وسلَتَ الصّبحُ خِضابَهُ. فحينَ ملِلْنا السُرَى. ومِلْنا الى الكَرى. صادَفْنا أرْضاً مُخضَلّةَ الرُّبا. مُعتلّةَ الصَّبا. فتخيّرْناها مُناخاً للعِيسِ. ومَحطّاً للتّعريسِ. فلمّا حلّها الخَليطُ. وهَدا بها الأطيطُ والغَطيطُ. سمِعْتُ صَيّتاً منَ الرّجالِ. يقولُ لسَميرِه في الرّحالِ: كيفَ حُكْمُ سيرَتِكَ. معَ جيلِكَ وجيرتِكَ? فقال: أرْعَى الجارَ. ولوْ جارَ. وأبذُلُ الوِصالَ. لمَنْ صالَ. وأحْتَمِلُ الخَليطَ. ولوْ أبْدى التّخليطَ. وأودّ الحَميمَ. ولو جرّعَني الحَميمَ. وأفضّلُ الشّفيقَ. على الشّقيقِ. وأفي للعَشيرِ. وإنْ لمْ يُكافئْ بالعَشيرِ. وأستَقِلّ الجَزيلَ. للنّزيلِ. وأغمُرُ الزّميلَ. بالجميلِ. وأنزّلُ سَميري. منزِلَةَ أميري. وأُحِلّ أنيسي. محَلّ رَئيسي. وأُودِعُ مَعارِفي. عَوارِفي. وأُولي مُرافِقي. مَرافقي. وأُلينُ مَقالي. للقالي. وأُديم تَسْآلي. عنِ السّالي. وأرْضى منَ الوَفاء. باللَّفاء. وأقْنَعُ منَ الَجزاء. بأقَلّ الأجزاء. ولا أتظلّمُ. حينَ أُظلَمُ. ولا أنْقَمُ. ولو لدَغَني الأرقَمُ. فقال لهُ صاحبُه: ويْكَ يا بُنيّ إنّما يُضَنّ بالضّنينِ. ويُنافَسُ في الثّمينِ. لكِنْ أنا لا آتي. غيرَ المُؤاتي. ولا أسِمْ العاتي. بمُراعاتي. ولا أُصافي. مَنْ يأبى إنْصافي. ولا أُواخي. مَنْ يُلْغي الأواخي. ولا أُمالي. مَنْ يُخيّبُ آمالي. ولا أُبالي بمَنْ صرَمَ حِبالي. ولا أُداري. مَنْ جهِلَ مِقداري. ولا أُعطي زِمامي. مَنْ يُخْفِرُ ذِمامي. ولا أبْذُلُ وِدادي. لأضْدادي. ولا أدَعُ إيعادي. للمُعادي. ولا أغرِسُ الأيادي. في أرضِ الأعادي. ولا أسمَحُ بمُواساتي. لمَنْ يفْرَحُ بمَساءاتي. ولا أرى التِفاتي. الى مَن يشْمَتُ بوَفاتي. ولا أخُصّ بحِبائي. إلا أحبّائي. ولا أستَطِبّ لدائي. غيرَ أوِدّائي. ولا أمَلِّكُ خُلّتي. مَنْ لا يسُدّ خَلّتي. ولا أصَفّي نيّتي. لمَنْ يتمنّي منيّتي. ولا أُخْلِصُ دُعائي. لمَنْ لا يُفعِمُ وِعائي. ولا أُفرِغُ ثَنائي. على مَنْ يفْرغُ إنائي. ومنْ حكمَ بأنْ أبذُلَ وتخْزُنَ. وألينَ وتخْشُنَ. وأذوبَ وتجْمُدَ. وأذْكو وتخْمُدَ? لا واللهِ بلْ نتَوازَنُ في المَقالِ. وزْنَ المِثْقالِ. ونَتحاذَى في الفِعالِ. حذْوَ النّعالِ. حتى نأَنَ التّغابُنَ. ونُكْفى التّضاغُنَ. وإلا فلِمَ أعُلّكَ وتُعلّني. وأُقلّكَ وتستَقلّني. وأجتَرِحُ لكَ وتجرَحُني. وأسْرَحُ إليْكَ وتُسرّحُني? وكيف يُجْتَلَبُ إنْصافٌ بضَيْمٍ. وأنّى تُشرِقُ شمْسٌ معَ غيْمٍ? ومتى أُصْحِبَ وُدٌ بعَسْفٍ. وأيّ حُرّ رضيَ بخُطّةِ خسْفٍ? وللهِ أبوكَ حيثُ يقول:
جزَيْتُ مَنْ أعـلَـقَ بـي وُدَّهُجَزاءَ مَنْ يبْني عـلـى أُسّـهِوكِلْتُ للخِلّ كمـا كـالَ لـيعلى وَفاء الكَيْلِ أو بخْـسِـهِولمْ أُخَـسِّـرْهُ وشَـرُّ الـوَرىمَنْ يوْمُهُ أخْسَرُ منْ أمْـسِـهِوكلُّ منْ يطلُبُ عِندي جَـنـىفما لهُ إلا جَـنـى غـرْسِـهِلا أبتَغي الغَبْـنَ ولا أنْـثَـنـيبصَفقَةِ المغْبونِ في حِـسّـهِولسْتُ بالموجِبِ حقـاً لـمَـنْلا يوجِبُ الحقَّ على نفـسِـهِورُبّ مَذاقِ الهَوى خـالَـنـيأصْدُقُهُ الوُدّ علـى لَـبْـسِـهِوما دَرى منْ جهلِـهِ أنّـنـيأقْضي غَريمي الدّينَ منْ جِنسِهفاهجُرْ منِ استَغباكَ هجرَ القِلىوهَبْهُ كالمَلْحودِ في رمْـسِـهِوالبَسْ لمَنْ في وصْلِهِ لُـبـسَةٌلباسَ مَنْ يُرْغَبُ عنْ أُنـسِـهِولا تُرَجِّ الـوُدَّ مـمّـنْ يرَىأنّك مُحْتاجٌ الـى فَـلْـسِـهِقال الحارثُ بنُ همّام: فلمّا وعَيتُ ما دارَ بينهُما. تُقْتُ الى أن أعرِفَ عينَهُما. فلمّا لاحَ ابنُ ذُكاء. وألحَفَ الجوَّ الضّياءُ. غدَوْتُ قبلَ استِقلالِ الرّكابِ. ولا اغتِداءَ الغُرابِ. وجعلْتُ أستَقْري صوْبَ الصّوتِ اللّيْليّ. وأتوسّمُ الوُجوهَ بالنّظَرِالجَليّ. الى أنْ لمحْتُ أبا زيْدٍ وابنَهُ يتحادَثان. وعلَيهِما بُرْدانِ رثّانِ. فعَلِمتُ أنّهُما نجِيّا ليلَتي. ومُعْتَزَى رِوايَتي. فقَصَدْتُهُما قصْدَ كلِفٍ بدَماثَتِهِما. راثٍ لرَثاثَتِهِما. وأبَحْتُهُما التحَوّلَ الى رحْلي. والتّحكّمَ في كُثْري وقُلّي. وطَفِقْتُ أُسيّرُ بينَ السّيّارةِ فضْلَهُما. وأهُزّ الأعْوادَ المُثمِرَةَ لهُما. الى أنْ غُمِرا بالنُّحْلانِ. واتُّخِذا منَ الخُلاّنِ. وكُنّا بمعرَّسٍ نتبيّنُ منْهُ بُنْيانَ القُرَى. ونتنوّرُ نيرانَ القِرَى. فلمّا رأى أبو زيدٍ امتِلاءَ كِيسِهِ. وانجِلاءَ بُوسِهِ. قال لي: إنّ بدَني قدِ اتّسَخَ. ودرَني قد رسَخَ. أفتأذَنُ لي في قصْدِ